عبدالوهاب بدرخان
انشغلت السلطات التركية بكل مستوياتها بالوصول الى كل المناطق المتضرّرة بالزلزال الهائل واستحثّت عشرات الدول فرق انقاذ ومعدات ومواد اغاثية لمساعدتها، فيما لم تكن استجابة حكومة دمشق على مستوى الكارثة إما لضعف الإمكانات أو لأن النظام اعتاد منذ 12 عاماً اعتبار نفسه غير معني بإنقاذ الأرواح إلا بحسب تقويمه لولاء المناطق حتى تلك الواقعة تحت سيطرته. وفي الأثناء وقعت عواصم كثيرة في حيرة إزاء طريقة المساعدة وسط تمييز فرض نفسه بين مناطق النظام ومناطق المعارضة. ولما كانت منظمات الأمم المتحدة القناة الوحيدة المتاحة، مع منظمات أخرى حافظت دولها على أدوار إنسانية في سوريا، ألا أن كل هذه المنظمات عانت صعوبات في العلاقة مع أجهزة النظام واضطرّت في الأخيرة لحصر مواردها وإمكاناتها في حدود الضرورات.
لذلك وجدت مناطق المعارضة السورية أنها ضائعة ومنسية بين انهماك تركيا بشأنها الجلل واهتمام النظام بالبحث عن فرص تمكّنه من إعادة تعويم نفسه. كانت أعمال الإنقاذ تتمّ في تلك المناطق بقدرات ضئيلة وبجهد بشري بحت، فهناك مشافٍ ومراكز دفاع مدني دمّرها الزلزال، ولم يكن لـ "الخوذ البيضاء" والمتطوّعين أن ينجزوا بأيديهم وأظافرهم سوى القليل مما يتطلّب معدّات خاصة غير متوفّرة ولا يؤمل بوصولها من تركيا حيث مسّت الحاجة إليها، ثم أن الحدود أُقفلت. في جنديرس (محافظة حلب)، مثلاً، وفي غيرها، وقف الكثير من الأهالي المشرّدين في البرد القارس، بلا مأوى ولا مقتنيات، وبينهم جرحى ومصابون، يترقّبون أمام ركام الأبنية معجزات انتشال ناجين أو حتى جثث من قضوا تحت الأنقاض. وكما في عموم المنطقة المنكوبة بين تركيا وسوريا، كان هناك سباق مع الوقت والموت والبرد، لكنه في شمال غربي سوريا كان غارقاً في كثير من اليأس.
في كوارث طبيعية كهذه، حتى مع وجود إنذارات علمية دقيقة مسبقة، لا يمكن التوقّع والتنبّؤ والاستعداد للطوارئ، بل لا يمكن التحكّم أو الحدّ من آثار الكارثة والخسائر البشرية. كل البلدان التي تعرّضت في السابق احتاجت الى مساعدات خارجية، لكن العامل الحيوي الحاسم يكمن في مدى أهلية السلطات المحلية لتوظيف أي مساعدة، ومن شأن بلدان المنطقة كافة أن تكون تلقّت انذار هذا الزلزال لتتنبّه الى ضعف أو ربما انعدام استعداداتها للطوارئ. ففي مثل هذه المحن يظهر الفارق بين حكومة وأخرى، كما ظهر بين أنقرة ودمشق. في الأولى كان الرهان الوحيد على نجاح الدولة في تسخير كل الامكانات لإنقاذ ما أمكن من الأرواح. وفي الثانية لم يرَ الخارج أن هناك دولة تتولّى مسؤولياتها بل نظاماً منشغلاً كالعادة بكيفية الاستفادة من الظروف لإعادة تسويق نفسه "دولياً" وتسليط الأنظار على العقوبات المفروضة عليه، أكثر مما فكّر في فتح الأبواب لتسهيل المساعدات التي لا تحول تلك العقوبات دون وصولها.
تبقى إشارتان: الأولى، أن مناطق كثافة اللاجئين السوريين هي بين الأكثر تضرّراً في تركيا، وقد سُجّلت "حالات تمييز" بينهم وبين الأتراك لأولوية معالجة المصابين في المستشفيات. والأخرى، أن سلوك النظام الأسدي تجاه مناطق خارج سيطرته ظلّ في هذه المحنة كما كان حين حاصر مناطق لتجويعها ومنع دخول مساعدات دولية إليها. تطلّب الأمر ساعات طويلة من الاتصالات مع ممثلي الأمم المتحدة حتى يوافق النظام، بشروطه، على أن يتولّى الصليب الأحمر تنسيق الاغاثة مع الهلال الأحمر السوري.
(عن صفحته - فايسبوك)