عبدالوهاب بدرخان
لبنان في زمن الشغور والفراغ والشلل: لا رئيس في رئاسة الجمهورية، لا حركة في مجلس النواب، حكومة موجودة صُوَرياً لإدارة تفليسة البلد ولا تنعقد إلا بقرار من "حزب إيران/ حزب الله"، سلطة قضائية متهاوية ومتآكلة المصداقية، إدارات مجوّفة ومعطّلة أو مغزوّة بالفساد الصغير الذي يخدم الفساد الكبير ويتمتّع بحمايته، حدود سائبة أمام كل أنواع التهريب... تبقى مؤسستا الجيش والأمن، لكن الى متى؟ فـ "الحزب" أطلق أكثر من تهديد بأن في إمكانه تقسيمهما "خلال أيام"، مذكّراً بسوابق الحرب الأهلية.
يوحي "الثنائي الشيعي" بأنه اقترب من الجهوزية لاستنخاب مرشحه الماروني رئيساً للجمهورية، لذلك خرق رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الغموض والتكتّم بإعلانه "مرشحنا معروف"، أي أنه سليمان فرنجية، ولم يترك للأخير حقّ اعلان ترشيحه. ولكي تكتمل المسرحية، بادر الأمين العام لـ "الحزب" حسن نصرالله الى المصادقة على ترشيح برّي لفرنجية لا باعتباره "مرشح الحزب" وانما "مرشح يدعمه الحزب" لأنه يملك "المواصفات" المطلوبة، أي أنه "مرشح حماية ظهر المقاومة".
للمناسبة أوضح "الثنائي"- وهو ليس "ثنائياً" بمعنى وجود "تعددية شيعية"، فالقيادة والقاعدة والإمرة هي لـ "الحزب" - أن مرشّحه كان الأوفر حظوظاً، طوال 11 جلسة للانتخاب، وأن الاسم غير المدوّن في الأوراق البيضاء كان لفرنجية، أما تغييبه فكان لجس النبض و"عدم حرقه". بات على "الحزب" أن يبرهن الآن أن اعلان المرشّح يزكّيه ولا يحرقه، لكن هل يشعر المرشّح نفسه بارتياح وثقة وطمأنينة الى كونه "مرشح نصرالله"، أي "مرشّح إيران؟.. هذه مسألة تخصّه، ولا تخصّ لبنان واللبنانيين.
ما الذي دفع "حزب إيران" الى الجهر باسم مرشّحه؟ في كلام نصرالله أكثر من إشارة: أولاً، حصول التوافق أخيراً بين نظامَي الأسد والملالي على تبنٍّ علني لفرنجية، لزوم المناورة والمواجهة مع دول "اجتماع باريس" الخمس. ثانياً، السعي الى اللعب على تناقض المقاربات بين الدول الخمس إزاء التعامل مع الأزمة اللبنانية ورفض "الفيتوات الخارجية". ثالثاً، استباق أي ضغط يمكن أن تمارسه تلك الدول لطرح "مرشح ثالث" قد يكون قائد الجيش العماد جوزف عون، وذلك باستبعاد أي تعديل دستوري يتيح له الترشّح. رابعاً، تعزيز هيمنة "الحزب" كأمر واقع لا يمكن القوى الخارجية تجاوزه أو اضعافه أو تغييره. خامساً، اعتبار أن مرحلة البحث عن "توافق" أو "حوار" انتهت لتبدأ مرحلة "التحدّي"، علماً بأن "الحزب" اعتبر دائماً أن طرح أي مرشّح غير مرشّحه هو تحدّ له.
أصاب نصرالله في اعتبار الموقف الخارجي منسجماً مع رفض خصومه المحليين رئيساً تابعاً لـ "حزبه" ولـ "محور الممانعة"، لأنه يعني استمرار الأزمة. لكنه أخطأ في قراءة موقف الدول الخمس، إذ لم تفرض ولن تفرض مرشّحاً معيّناً، ولا تعتزم خوض مواجهة مع "الحزب"، ليس خوفاً منه أو من إيران بل ضنّاً بمصلحة لبنان التي لا يتردّد نصرالله بالعبث بها. والأكيد انه يخطئ في تقدير النتائج التي يتوقّعها من فرض مرشّحه ومن مواجهته مع القوى الخارجية. إذ يبدو نصرالله كمن يملي شروطه: المطلوب مجتمع دولي يعترف بالاحتلال الإيراني للبنان، المطلوب مساعدات من السعودية ودول الخليج لتمويل "دولة إيران" في لبنان، المطلوب رضوخ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإرادة "حزب إيران"، والمطلوب باختصار أن يتجنّد العالم لـ "حماية ظهر المقاومة"... وإلّا فليتعايش مع الفراغ والخراب في لبنان.
(عن صفحته - فايسبوك)