عبدالوهاب بدرخان
أياً تكن مفاعيل الاتفاق السعودي - الإيراني لن ينقلب المشهد الإقليمي رأساً على عقب، والأهمّ أنه لن يرضي كل الأطماع الإيرانية في الدول العربية الـ 4، ولن يكون وسيلة لتزكية المشروع التوسّعي الإيراني. ربما يصحّ أكثر ما قيل بأن السعودية تشتمّ رائحة خيار عسكري أميركي - إسرائيلي يتبلور ضد إيران، وتريد استباقه لئلا تُستدرج إليه، وتجنّبه لئلا يدفع بالمنطقة الى حرب جديدة، وفي ذلك تطبيق لإجماع خليجي وعربي. كما أن ثمة استشرافاً لصراع آخر، أميركي - صيني، قد ينزلق أيضاً الى مواجهة عسكرية على خلفيّتين: عسكرة الانحياز الصيني الى جانب روسيا في أوكرانيا، وتفجّر الصراع على تايوان. وفي هذا السياق تسعى السعودية الى الوقوف على مسافة واحدة من مختلف الصراعات الدولية، وإلى علاقات طبيعية ومتوازنة مع كل الدول، بما فيها إيران. كانت برهنت ذلك في محاولتها تغيير نمط علاقتها مع الولايات المتحدة، وفي ضبطها للعلاقة مع روسيا والصين، إذ تقترب من أي دولة بمقدار ما تتطلّب مصالحها.
لا شك أن هذا مسار صعب ومعقّد، وقد يبدو أحياناً غير عملي أو مستحيلاً، لكنه خيار استراتيجي لن تظهر نتائجه في المدى القريب. ثم أنه خلاصة عقود طويلة من خيبات الأمل مع الولايات المتحدة التي انتهت الى التغاضي عن تغلغل إيران وتدخّلها في محيطها العربي، وكذلك مع سياسة أميركية - إسرائيلية ضاغطة من أجل "تطبيع" سعودي - إسرائيلي لكن من دون أي موقف حازم إزاء ضرب منشآت "أرامكو"، ومن دون أي سلام فلسطيني – اسرائيلي، بل من دون استراتيجية سلام واستقرار للمنطقة. ولا شك أن دروس العلاقة مع واشنطن هي التي تحكم أي تقارب مع بكين وموسكو، إذ باتت كلّها تُخضع لمقياس المصالح بمستوياتها الثنائية والإقليمية وحتى الدولية، فمَن لا يعامل الآخرين بالعداء يريد تعويدهم على معاملته بالمثل، أو على الأقل وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية. ولعل الجانب الأصعب في هذا النهج السعودي "الجديد" أنه يُطبّق في مرحلة تحوّل دولي يسودها الانقسام والاستقطاب.
الى أي حدّ يمكن إيران الغارقة في ظلام ايديولوجيتها أن تتكيّف مع السعودية "الجديدة"؟ وإلى أي حدّ تستطيع إيران أن تطوّر علاقة مصالح ثنائية مع السعودية، فالجانب التجاري متاح لكن بعضاً مهمّا منه يقع تحت العقوبات الأميركية، والتعاون الأمني ممكن لكن الكثير منه يتطلّب تنظيف السجل الأسود لـ "الحرس الثوري" الإيراني؟ وإلى أي حدّ يمكن طهران أن تفصل "التطبيع" مع الرياض عن العربدة التي يمارسها "الحرس" وميليشياته في أربع عواصم عربية، عدا خلاياه الناشطة في عواصم عربية أخرى؟ وهل يمكن الاعتقاد أن السعودية تدلف الى استئناف العلاقات الديبلوماسية مغمضة العيون عن الموبقات التي زرعها "تصدير الثورة" في المشهد الإقليمي؟
لا أحد يتوقّع أن يفضي التطبيع بين السعودية وإيران الى انقلاب سريع في سياسات أيٍّ منهما، لكن الطرف المُطالَب بتغيير نهجه لإنجاح "الانفتاح على الجوار" هو إيران، بكل تأكيد. الخيارات في هذا المجال موجودة متى توفّرت الإرادة، والبداية الموضوعية تكون بأن تبرهن إيران قدرتها على تحسين سلوكها، وعلى رؤية الواقع لا الإصرار على الأمر الواقع الذي أقامته. وعلى ذلك لا بدّ لها أن تعترف بأن "وكلاءها" لا يستطيعون أن يديروا أي دولة ولا يمكنهم أن يحكموا في لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن.
(عن صفحته - فايسبوك)