وفق "توقيت الغباء" صيفاً وشتاء

سياسة

تم النشر في 30 مارس 2023

عبدالوهاب بدرخان

كم كان غبيّاً وخفيفاً ذلك القرار الذي جعل لبنان في توقيتَين، صيفي بات تقليداً عالمياً اعتمدته الدولة منذ عقود، وشتائي "عين-تيني" نسبة الى مقر إقامة رئيس مجلس النواب الذي طلب من رئيس الوزراء فوافق على تأخيره شهراً. تشاور الرجلان وأفتيا بإعفاء مسلمي لبنان من الصيام "ساعة زائدة" خلال شهر رمضان، واعتبرا أن في فتواهما هذه لفتة إنسانية نفسية، ولم يفطنا الى أنها جاءت متأخّرة وأن تطبيقها يتسبب بفوضى لا داعي لها. لكن الأدهى والأمرّ أنها قادتهما الى اكتشاف "الساعة الطائفية" التي فرضت على البلد توقيتَين أو أكثر. بل فاتهما أن السنة الفارسية الجديدة تزامنت هذه السنة مع شهر رمضان، وكان عليهما بدلاً من اللعب بـ "الساعة" الاحتفال بدورة الزمن التي شاءت أن يصوم السنّة والشيعة معاً، في غمرة الاحتفال أيضاً باتفاق التطبيع السعودي- الإيراني.

أما وقد أصبحت "ساعة بري- ميقاتي" وراءنا، بعد إلغائها بقرار من مجلس الوزراء، فإن الفكرة نفسها لا تزال تستوقف. إذ أن تغليفها بـ "الراحة النفسية" للصائمين تبسيطي وغير مقنع ما دامت منظومة الحكم والسلطة وأذرع فسادها ترتكب كلّ يوم ما يفاقم معاناة اللبنانيين جميعاً ويواصل تدمير أوضاعهم النفسية. لا بد أن الفكرة لمعت في ذهن من يعتقد أن الأمر بات له، وله وحده، وأن العبث بالتوقيت يمكن أن يكون من أدوات تثبيت السلطة في يده. لم يتنبّه الى أن اللعب بالساعة ليس سوى امتداد للعشوائية التي أضاعت على لبنان أعواماً وعقوداً الى أن تركته يتهاوى من انهيار الى انهيار.

انعقد مجلس الوزراء لمحو "غلطة" سخيفة أدّت الى تظهير الانقسام الطائفي وكأنه في الأصل خفيّ. لكن مهزلة المهازل أن هذا المجلس يتبع بمكوّناته المسيحية والمسلمة توقيتاً مما قبل- التاريخ، وينتظر انتخاب رئيس جديد للجمهورية يريده "حزب إيران/ حزب الله" من أتباعه. لم ينعقد مجلس الوزراء، ولا يمكن أن ينعقد، لا قبل ولا بعد اعلان صندوق النقد الدولي أن لبنان "في وضع خطير للغاية". الصندوق الدولي قلق، والأصحّ أنه يائس، بل الأدقّ أنه لم يصادف في تاريخه بلداً بمثل هذا الإصرار على التدهور والانتحار. مع ذلك يؤكّد الصندوق أنه باقٍ ومستمر في دوره وفي إلحاحه على الإصلاحات المطلوبة، التي يتبدّى يوماً بعد يوم أنها إنْ لم تكن مستحيلة فإنها تأخرها يفقدها جدواها، طالما أن الأطراف التي نهبت الأموال ترفض "تقاسم الخسائر".

في المقابل تنصرف منظومة الحكم والسلطة الى تدبير أمورها بكل هدوء وطمأنينة، لا ترى البؤس المستشري ولا تسمع صرخات الشارع، بل لعلّها تستغرب أن يكون الصندوق الدولي متشائماً الى هذا الحدّ كما لو أنه لم يأخذ علماً بأن الحاكم الفعلي- الأمين العام لـ "حزب إيران"- طلب "طاولة حوار" للبحث في الوضعين الاقتصادي والمعيشي، وهي تشبه طاولة ميشال عون لإعفاء نفسه من المسؤولية، لكن مع فارق أن حسن نصرالله يحمل لواء "الاتجاه شرقاً" (مستشهداً بالسعودية)، ولديه الصين في جعبته مؤكّداً أنها "جاهزة لتقديم المساعدة"، لكنه لا يفصح عن مدى مساعدتها لإيران، أو عن عدم مساعدتها لـ "سوريا- الأسد"، وكلتاهما تعاني من العقوبات الأميركية.

(عن صفحته - فايسبوك)