زيارات واتصالات لمسؤولين كبار.. لماذا كثفت الولايات المتحدة تحركاتها تجاه السعودية؟

سياسة

تم النشر في 15 أبريل 2023

خلال أسبوع واحد فقط زار أكثر من مسؤول أميركي رفيع السعودية أو اتصل بقادتها، في مؤشر على مسعى لتحسين العلاقات بين البلدين بعد فترة من الجمود والتوتر، وفقا لمراقبين.

أولى هذه التحركات بدأها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الثلاثاء، عندما قال إنه أجرى اجتماعا "مثمرا للغاية" مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وكذلك أعرب غراهام، الذي كان من أشد للمنتقدين للسعودية بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، عن رغبته في "العمل مع الإدارة الأميركية والجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس.. من أجل الارتقاء بالعلاقات الأميركية السعودية إلى المستوى التالي".


في اليوم ذاته قال البيت الأبيض إن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أجرى اتصالا هاتفيا بولي العهد السعودي وناقشا خلاله إيران والخطوات الرامية لإنهاء الحرب في اليمن.

كذلك أعلنت وزارة الخارجية السعودية أن كبير مستشاري البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك والمبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين وصلا إلى السعودية، الخميس، والتقيا بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود.

ويعد ماكغورك وهوكستين أرفع مسؤولين أميركيين يزوران المملكة منذ اندلاع الأزمة بين البلدين بعد القرار الذي قادته السعودية بخفض إنتاج النفط في أكتوبر الماضي، وأغضب واشنطن.

كما أنها جاءت بعد نحو شهر من الاتفاق الذي أبرمته السعودية مع إيران بوساطة صينية، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من التنافس المرير الذي أذكى الصراع في أنحاء من الشرق الأوسط.

"علاقة معقدة"

ويرى مراقبون أن هذا الكم من الزيارات والاتصالات بين الولايات المتحدة والسعودية مؤشر واضح على تحسن العلاقات بين البلدين بعد فترة من الفتور.

يقول الباحث والمحلل السياسي الأميركي إيريك هام إن "الولايات المتحدة قدمت المليارات من مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، لكن على الرغم من هذا كانت العلاقة بينهما معقدة للغاية".

ويضيف هام لموقع "الحرة" أن "حقيقة لقاء المسؤولين الأميركيين مع نظرائهم السعوديين تعتبر علامة جيدة على أن الاتصالات بين الطرفين ستبقى مستمرة ويمكنهما معالجة أي توترات في العلاقة".

ومع ذلك يرى هام أن تزايد دور الصين في الشرق الأوسط وتزايد الاحتمالات بشأن "إمكانية إعادة الاصطفاف الجيوسياسي أمر ينبغي أن يثير قلق الولايات المتحدة".

وبوغتت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في مارس حين توسطت الصين في اتفاق بين الخصمين الإقليميين، السعودية وإيران.

وتمضي السعودية قدما أيضا في جهود لإعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، وانضمت إلى عدد من الدول العربية الأخرى في هذا المضمار لإنهاء العزلة الإقليمية لسوريا رسميا على الرغم من مخاوف الغرب.

وشكك بعض الحلفاء في الشرق الأوسط، وتحديدا السعودية، في مدى وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها الأمنية في المنطقة، واختاروا البقاء على الحياد من حرب روسيا على أوكرانيا، ودفعهم ذلك إلى تنويع علاقاتهم لتشمل الصين بدلا من الاقتصار على الغرب.

وينظر بعض الخبراء للدور الذي لعبته بكين على أنه إشارة على تراجع نفوذ الولايات المتحدة لدى السعودية وسط توترات بين الحليفتين القديمتين بسبب مجموعة من الموضوعات منها حقوق الإنسان وخفض السعودية لإنتاجها من النفط.

"شراكة استراتيجية"

لكن رئيس مركز القرن العربي للدراسات في الرياض سعد بن عمر يرى أن هناك تنسيقا على أعلى المستويات بين الإدارة الأميركية والقيادة السعودية على الرغم من التقارير التي تحدثت بعكس ذلك.

يقول بن عمر لموقع "الحرة" إن "هناك عوامل مشتركة كثيرة تجمع الجانبين".

ويضيف: "صحيح أن السعودية أبرمت اتفاقا مع إيران، لكن هذا شأن داخلي سعودي"، مشيرا إلى أنه "ربما تسهم العلاقة السعودية الطيبة مع إيران مستقبلا لحل الملف النووي الإيراني الذي ترغب واشنطن في إنهائه".

كذلك يؤكد بن عمر أن "السعودية لا يمكن أن تختلف مع شريكها الاستراتيجي المتمثل في الولايات المتحدة لفترة طويلة".

ويبين بن عمر أن "هناك دائما اختلافات بسيطة مع واشنطن، وهذا يحدث مع جميع الدول، لكن العلاقة الاستراتيجية ما زالت قائمة وتتجذر".

كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية متوترة منذ أن تولت إدارة بايدن مهامها مطلع عام 2021، بعد أن وصف الرئيس الأميركي السعودية بأنها "دولة ‏منبوذة" لدورها في مقتل خاشقجي.

لكن عندما زار بايدن السعودية في يوليو الماضي، بدا أن كلا البلدين يحرزان تقدما تدريجيا نحو تحسين العلاقات.

لكن التوترات تصاعدت مرة أخرى في أكتوبر عندما خفضت السعودية ودول أوبك + إنتاجها النفطي، في خطوة أغضبت واشنطن.

في ذلك الوقت، أعلن البيت الأبيض أنه "يعيد تقييم" العلاقات مع المملكة العربية السعودية وألغى اجتماعات أمنية مع السعوديين ودول الخليج الأخرى.

لكن الأشهر الأخيرة شهدت تحسنا بطيئا في العلاقات، بعد أن رحب البيت الأبيض بزيارة وزير الخارجية السعودي إلى كييف والتي أعلن خلالها عن حزمة مساعدات لأوكرانيا.

وتشمل علامات التحسن الأخرى في العلاقات اتفاقية بشأن تقنية الجيل الخامس بين البلدين وصفقة طائرات بوينغ بمليارات الدولارات تم الإعلان عنها مؤخرا.

كما رحبت إدارة بايدن بالاتفاق بين السعودية وإيران بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية، حيث قدمتها على أنها خطوة تزامنت مع السياسة الأميركية لخفض التصعيد الإقليمي والجهود المبذولة لإنهاء الحرب في اليمن.

ويعتقد بن عمر أن "تراجع الولايات المتحدة عن خطواتها تجاه السعودية يثبت صحة مواقف الرياض"، مضيفا أنه "عندما تلتقي القيادة الأميركية بالقيادة السعودية تدرك أن كثيرا من التصورات التي لديهم في غير مكانها".

ويشير إلى أن "القيادة السعودية تكن كل الاحترام للقيادة الأميركية ولديها الاستعداد للتعاون مستقبلا في جميع المجالات والقضايا التي تهدم البلدين".

ويشدد أن "السعودية لديها مصالح مع الصين ولا يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل بكين، وكذلك الأمر بالنسبة للصين فلا يمكن أن يضعها القادة السعوديون مكان الولايات المتحدة في كثير من الملفات".

"لكل من البلدين علاقات في جانب معين.. من صالح السعودية أن يكون لديها علاقات قوية مع الصين باعتبارها أكبر مشتر للنفط السعودي ولا بد أن تكون علاقاتنا معها طيبة بغض النظر عن احتجاج الإدارة الأميركية او غيرها من الدول لإن هذه القضايا تتعلق بالسيادة الوطنية" يتابع بن عمر.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الأميركي إيريك هام أن مستقبل العلاقات الأميركية السعودية إلى حد كبير يعتمد على من "يسيطر على واشنطن".

ويضيف هام "سيُنظر إلى المملكة العربية السعودية إلى حد كبير على أنها دولة منبوذة بين الديمقراطيين المهتمين إلى حد كبير بقضايا حقوق الإنسان، بينما سيرى الجمهوريون، ولا سيما جناح الرئيس السابق دونالد ترامب، السعوديون كحليف وحصن ضد إيران".

المصدر: الحرة