استعادة الأسد عربياً غير استعادة سوريا

سياسة

تم النشر في 27 أبريل 2023

عبدالوهاب بدرخان

يجري التركيز، في حديث "تطبيع" العلاقات بين دول عربية والنظام السوري، على أن عودة الدور العربي تهدف الى تحريك حل الأزمة السورية وتفعيله، إنْ وُجد، والوصول به الى حدّ أدنى من الغايات المنشودة. ومن أجل ذلك، يُراد الذهاب الى ما هو ممكن وعملي، وليس بالضرورة الى ما يتماشى مع القانون الدولي، أي ما يطابق بنود القرار 2254 ومتطلباته. وإذ مثّل هذا القرار في 2015 ذروة ما أمكن "تدويل" القضية السورية أن يحققه، بعد أربعة أعوام على نشوب الأزمة، فإن مرور ثمانية أعوام من المناورات لإحباط القرار وإفراغه من مضمونه لمصلحة أمر واقع روسي- إيراني، دلّ الى أن "التدويل" صُودر، أو بالأحرى فشل، وأن ما كان يُؤمل به من تنسيق/ تفاهم أميركي- روسي للتوصّل الى حلٍّ للأزمة لم يعد واقعياً في ظلّ حرب أوكرانيا. يُذكر أن واشنطن شجّعت التدخل الروسي في سوريا تفادياً لتنازلات في أوكرانيا، كما تغاضت عن التدخّل الإيراني سعياً الى الاتفاق النووي.

يبدو المشهد الآن كما لو أن العرب يحاولون إعادة "تعريب" حلّ الأزمة الى السكّة. ثمة من يعتقد أنه كان يجب مبادرة الجامعة العربية (أواخر 2011- أوائل 2012) مزيداً من الوقت بدل انهائها بتسرّعٍ وافتعالٍ، لأنه كان مطلوباً إفشال "التعريب" لمصلحة "التدويل". الواقع أن نظام بشار الأسد كان انخرط باكراً مع "الحرس الثوري" الإيراني في إدارة حرب داخلية، ولم يكن مستعدّاً لتسهيل أيٍّ من المسارين العربي أو الدولي، ومن ثمَّ فإنه وجد ضالته في آلة الحرب الروسية التي جاءت لمؤازرة الإيرانيين في إنقاذه. وفي التحرّكات العربية الراهنة لم يُنفض الغبار عن المبادرة السابقة للجامعة لأنها لم تعد تلبّي متطلبات المرحلة، بل يجري بناء مبادرة جديدة للتعامل مع نتائج الحرب، بالتركيز على الهموم الانسانية بعيداً عن الأوهام السياسية. لذلك ينتقل "التطبيع" العربي شيئاً فشيئاً الى تغييب القرار 2254 لإبراز مسألتين: إزالة "الصعوبات" أمام إيصال المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين الى مواطنهم.

يبدو الأمر كأنه مقايضة بين نظام الأسد و"المطبّعين" معه. ففي مقابل تجاهل "الانتقال السياسي" (ورد في القرار الدولي) الذي يرفضه الأسد ويعتبره دعوة الى تغيير نظامه، يتوقّع "المطبّعون" منه أن يكون معنيّاً بـ "مصالحة" داخلية أو بالمسألتَين الانسانيتين. لكن يُفترض أن يعلم هؤلاء أن الأسد رفض خلال زيارته الأخيرة لروسيا طلباً روسياً بترتيب لقاء له مع ممثلي المعارضة في ما يُسمّى "منصة موسكو" لئلا يُعتبر ذلك نوعاً من "المصالحة". أما بالنسبة الى المساعدات فإن المنظمات الأممية شكت دائماً مما تعتبره نهباً نظامياً للمساعدات (حتى بعد الزلزال) واتجاراً منظّماً بها. وأما عودة اللاجئين والنازحين فقد أزالها النظام من أجندته ومن مشاريعه المستقبلية منذ توافق مع الإيرانيين على تغيير ديموغرافي مذهبي أصبحوا أكثر تمسّكاً به ويقاومون حتى مجرّد تفكير النظام في "تهيئة ظروف مناسبة" لعودة اللاجئين والنازحين، بل يمكن تعداد المدن والبلدات التي طردوا أهلها لجعلها مناطق إيرانية خالصة. لكل ذلك يحتاج "التطبيع" العربي الى تحديد هدفه ولو كان صعباً، فاستعادة الأسد ونظامه بسجلهما الأسود مقدور عليها، أما استعادة سوريا واعادة شعبها المشرّد إليها فهي المهمة الحقيقية ودونها الكثير من العقبات.

(عن صفحته - فايسبوك)