تهميش عربي واضح للبنان

سياسة

تم النشر في 3 مايو 2023

عبدالوهاب بدرخان

وُضع لبنان عربياً في هامش مهين، قد يكون مُستَحَقَّاً، بتغييبه كليّاً عن الاجتماع الوزاري التشاوري في عمّان. كان مفهوماً عدم دعوته لأن الحاضرين لجنة انبثقت من اجتماع جدّة (منتصف نيسان/ ابريل) لمتابعة ما جرى من تفاهمات في شأن التطبيع العربي مع النظام السوري. ما لم يكن مفهوماً عدم الإشارة اطلاقاً الى لبنان في الأولويتين المطروحتين: وقف تهريب المخدرات الى دول الخليج عبر الحدود السورية، وعودة اللاجئين والنازحين السوريين الى بلادهم... أما مهانة التهميش فمردّها الى عاملَين، أولهما أن مسار الأزمة اللبنانية في الأعوام الأخيرة كشف هُزال الدولة وظهورها كـ "دولة ظل" لـ "دويلة" تحكمها، والثاني أن الدويلة احتجزت السياسة الخارجية للدولة في نفق إيراني- أسدي وإلا فما الذي منعها من دخول المشاورات العربية ومحاولة وضع المصلحة اللبنانية على أجندتها. وأمّا استحقاق التهميش فيعود الى انقسامات الداخل التي حالت وتحول دون طرح موضوعي جدّي لمسألة تهريب الكبتاغون التي أفسدت العلاقات مع الخليج، وقضية إعادة النازحين التي تتكشّف مخاطرها أكثر فأكثر حتى أنها باتت تضاهي الخطر الوجودي.

لم يمنع الوجود الميليشيوي الموالي لإيران في العراق بروز مساحة واضحة فيه للدولة ولا اختياره مع الأردن لتشكيل فريقي عمل سياسيَين/ أمنيَين قال البيان الختامي لاجتماع عمّان أن النظام السوري "سيتعاون" معهما "لتحديد مصادر انتاج المخدرات وتهريبها، والجهات التي تنظّم وتدير عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب". كان واضحاً أن وزير خارجية النظام جاء لزملائه العرب بـ "الموافقة" على التعاون في هذا المجال. على رغم أن دول الخليج لم تصل الى حدّ القطيعة مع العراق والأردن بسبب هذه المشكلة فإن التهريب عبر الحدود السورية- اللبنانية لم يستحق ولو إشارة عابرة. هل لأن نظام دمشق صارح الجانب العربي بأنه لا يسيطر على هذا الخط تحديداً، أو لأنه يجهل علاقة الشراكة بين وسيم بديع الأسد (دخل أخيراً قائمة العقوبات الأميركية) مع قطب التهريب اللبناني نوح زعيتر، أم لأن الجانب العربي لم يرَ جدوى في ضمّ ممثلين عن "حزب الله" الإيراني الى فريقي العمل المُقترحَين؟

من الواضح أن نظام بشار الأسد بدأ يقتنع بالإقلاع عن سياسة إغراق دول الخليج بالمخدرات، ليس بفعل التقارب السعودي- الإيراني فحسب، بل لأن النظام موعود بتعويضه الخسائر من وقف التهريب. لكنه لا يزال بعيداً عن التخلّي عن سياسة إغراق دول الجوار باللاجئين، وأعداد هؤلاء في الأردن أقل بكثير من الموجودين حالياً في لبنان وتركيا. لكن الوزراء العرب اتفقوا على اختبار دمشق بإعادة عينة (ألف لاجئ) من الأردن، لكن وفقاً لشروط: 1) التنسيق مع هيئات الأمم المتحدة لتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات في مناطق عودة اللاجئين، و2) "ايضاح الإجراءات" التي ستتخذها دمشق لتسهيل عودته (منها العفو العام)، و3) التعاون من الأردن ودائماً بالتنسيق مع الهيئات الأممية لتنظيم عودة طوعية للاجئين. وإذا نجح هذا الاختبار يمكن تطبيقه في الدول الأخرى المضيفة. لم يقل بيان عمّان أن نظام دمشق "سيتعاون" أو أنه "وافق" على هذه الآلية. فاللاجئون، مثل المعتقلين، ورقة ابتزاز سياسي في يده، وهو كالعادة يريد أن يعرف مسبقاً ما الذي سيستفيده من اعادتهم، أو اطلاقهم. ثم أن لديه، عدا ذلك، مناطق لا يمكن العودة إليها إمّا لأنها مدمّرة كلياً أو لأن الإيرانيين استملكوها ويديرونها.

(عن صفحته - فايسبوك)