كيف "تحدت" إيران تعهدات الخميني لإبقاء النظام الإسلامي على قيد الحياة؟

سياسة

تم النشر في 6 مايو 2023

تعيش إيران مرحلة "إعادة ترتيب جيوسياسي بعيد المدى" في تحد لتعهدات أطلقها مؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني، منذ أكثر من أربعة عقود، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وسلطت الصحيفة الأميركية في تقرير جديد لها على التحول في سياسة إيران الخارجية منذ ثورة 1979 التي جلبت رجال الدين للسلطة.

وتعمل طهران على إقامة علاقات أوثق مع روسيا والصين على أمل تخفيف مشاكلها الاقتصادية وبناء محور جديد قادر على مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

وقال تريتا فارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إن الصين وروسيا تقتربان الآن من طهران بسبب العداء المشترك للولايات المتحدة والبراغماتية قصيرة المدى.

وأضاف: "لديهم قواسم مشتركة في عدم رغبة رؤية نظام عالمي أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة".

"معتدية" و"إمبريالية"

وبعد أن أنهت الثورة الملكية، سرعان ما تحولت إيران من نظام موال لأميركا إلى دولة ثيوقراطية معادية للغرب بشدة، وبدأت العزلة الدولية لطهران التي تستمر حتى اليوم.

في المقابل، لم يحظَ خصوم واشنطن في الحرب الباردة – موسكو وبكين – إلا بقدر ضئيل من الجاذبية كحلفاء محتملين للجمهورية الإسلامية الناشئة آنذاك.

وكان الاتحاد السوفييتي الذي غزا أفغانستان في ذات العام الذي حدث فيه ثورة إيران "معتديا وحشيا"، بينما كانت الصين، التي تقيم علاقات أوثق مع الشاه بهلوي "إمبريالية" على حد سواء، كما حذر الخميني، رجل الدين الشيعي الزاهد الذي عاد من المنفى لقيادة إيران.

وتعهد الخميني الذي توفي عام 1989 بـ "لا الشرق ولا الغرب" لبناء دولة إسلامية خالصة خالية من التدخل الأجنبي. لكن التحولات الدراماتيكية بدأت في عام 2022 عندما قررت إيران تزويد روسيا بطائرات مسيرة في حربها ضد أوكرانيا.

وفي مارس الماضي، توسطت بكين في اتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية التي تقف على طرف نقيض في معظم ملفات المنطقة.



وبحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن ذلك استراتيجية كان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يروج لها مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، والصيني، شي جينبينغ، منذ العام الماضي.

وتوصي الاستراتيجية الجديدة بالمقاومة المشتركة للتهديد الذي يقول الزعماء الثلاثة إنهم يواجهونه: الحصار العسكري والخنق الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

وقال رئيسي في يناير على هامش أول زيارة يقوم بها رئيس إيراني للصين، إن "المقاومة ستحول التهديد إلى فرصة للتقدم، بينما التراجع في وجه التهديد لن يؤدي إلا إلى الفشل".

"انظر إلى الشرق"

ويرى محللون أن قادة إيران يخشون من انهيار نظامهم الإسلامي وسط عقوبات أميركية أنهكت اقتصاد البلاد. وقال الخبير بالشؤون الإيرانية بجامعة "تكساس إيه آند إم"، محمد طبار، "إنه هدف طموح للغاية لكن هدف الإيرانيين هو (يمكننا إقامة نظام دولي مواز)".

وأضاف أن الإيرانيين "يرون أن روسيا والصين شريكان كبيران لإنشاء هذا النظام الدولي على المدى الطويل حتى لا تتمكن الولايات المتحدة من إلحاق الضرر بهم اقتصاديا وعسكريا".

مع وجود عضوين دائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بجانبهم بشكل صريح، سيكون لإيران غطاء دولي أكبر لأنها تفكر في بناء أسلحة نووية، وهي خطوة يرى بعض المسؤولين الإيرانيين أنها الضمان الأفضل لبقاء النظام.

وظهرت الاستراتيجية التي تسمى "انظر إلى الشرق" للمرة الأولى قبل نحو عقدين من الزمن، لكنها آخذت زخما متزايدا بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي بين طهران والقوى الغربية.

وبعد أن فرض ترامب عقب انسحابه عقوبات أكثر صرامة على النظام الإيراني، بدأ المرشد الأعلى، علي خامنئي، صاحب القول الفصل في البلاد، بتأييد علاقات أوثق مع موسكو وبكين علنا. وقال خامنئي لمجموعة من الأكاديميين في عام 2018: "يجب أن ننظر إلى الشرق وليس الغرب".

وفي هذا الاتجاه، قال فارسي: "لقد استنتج الإيرانيون، عن صواب أو خطأ، أن الولايات المتحدة لن تقبل إيران أبدا". وتابع: "كان هناك تقارب حول وجهة النظر القائلة بأن العمل مع الغرب ليس خيارا".

وأتاح اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير الماضي لطهران أفضل فرصة أمام الحرس الثوري الإيراني لوضع توجيهات خامنئي في موضع التنفيذ. وكان بوتين، الذي يخوض حربا طاحنة ضد خصم مسلح تسليحا جيدا، في حاجة خاصة إلى الأصدقاء.

وقال محللون إن قرار طهران تزويد روسيا بطائرات مسيرة كانت المرة الأولى التي تتدخل فيها في حرب لصالح دولة ذات غالبية غير إسلامية منذ ثورة 1979.

كما تخطط طهران لبناء مصنع في روسيا لإنتاج الطائرات بدون طيار ويقال إنها تفكر في بيع الصواريخ الباليستية، بحسب الصحيفة نفسها. في المقابل، طلبت إيران طائرات مقاتلة وأسلحة متطورة أخرى من موسكو وتسعى لتوسيع التجارة والاستثمار.



وتأمل طهران في أن تتمكن موسكو من مساعدة جهودها لتحديث قواتها المسلحة التقليدية، مما يزيد من المخاطر بالنسبة لإسرائيل أو الولايات المتحدة إذا قرروا مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

وقال الزميل البارز بمؤسسة كارينغي للسلام الدولي، ألكسندر جابوف، إن "كل ما يساعد بوتين على مواصلة هذه الحرب جيد، وكل شراكة تحافظ على استمرار آلة الحرب هي تفضيلية".

وأضاف أن موسكو قد تقدم "أسلحة متطورة ربما لا تستطيع إيران الحصول عليها في أي مكان آخر".

تحالفات تطيل حياة النظام

وبالنسبة للعلاقات مع الصين، فإن بكين أكبر زبون للنفط الإيراني الذي يعطي اقتصاد البلاد شريان حياة ويمنعه من الانهيار.

واستوردت الصين رقما قياسيا قدره 1.2 مليون برميل يوميا من النفط الإيراني خلال ديسمبر الماضي بزيادة قدرها 130 بالمئة عن العام السابق، وفقا لشركة بيانات السلع الأساسية "فورتيكسا".

كما وقعت بكين اتفاقية تعاون اقتصادي وأمني مدتها 25 عاما مع طهران عام 2021 للاستثمار في مجالات مثل الطاقة النووية والموانئ والسكك الحديدية والتكنولوجيا العسكرية وتطوير النفط والغاز. وتوفر بكين أيضا تقنيات متطورة تستخدمها إيران لتشديد السيطرة على سكانها المضطربين.

وتلعب بكين دورا دبلوماسيا أكثر نشاطا في المنطقة بعد التوسط في الاتفاق السعودي الإيراني خلال مارس الماضي. ويقول محللون إن إيران تشارك طهران في رغبتها في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة، لكنها تخشى أن يؤدي التحالف الوثيق مع الجمهورية الإسلامية إلى تعريض علاقاتها الأوسع في الخليج للخطر.

وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر للسعودية وأكبر مشترٍ لنفطها، وهو اتجاه من المتوقع أن يتسارع كما تقول الصحيفة المتخصصة في الشؤون الاقتصادية. كما بدأت الرياض في استيراد تكنولوجيا الصواريخ الحساسة من الجيش الصيني.

وقال فارسي إنه بدلا من الميل نحو إيران لأنها تعارض الولايات المتحدة فقط، ترى الصين أنها من الأفضل لعب دور المحايد وتعميق العلاقات مع السعوديين على حساب الأميركيين.

ورغم ذلك، لن تحول العلاقات المزدهرة مع موسكو وبكين، إيران إلى عملاق قادر على إخراج الولايات المتحدة من المنطقة أو تدمير إسرائيل، وهو هدف لطالما تعهدت طهران بتحقيقه.

لكن هذه التحالفات الجديدة قد تطيل إلى أجل غير مسمى حياة النظام الذي بدا قبل أشهر فقط وكأن خياراته تنفد، حسبما ذكر تقرير الصحيفة الأميركية.

المصدر: الحرة