صراع قائد "مرتزقة فاغنر" مع الجيش الروسي.. "الخيانة" بدأت من سوريا

سياسة

تم النشر في 25 مايو 2023

يمثل الصراع المتصاعد بين مالك شركة "فاغنر" والقيادة العسكرية العليا، أول صدع كبير في روسيا منذ بدء غزو أوكرانيا قبل أكثر من عام، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

ويكشف مدى ظهور الصراع علنا، خلال الأسابيع الأخيرة، وتأثيره على العمليات العسكرية، أن نكسات موسكو على خط المواجهة تضع ضغوطا على نظام السلطة القوي الذي أنشأه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على مدى العقدين الماضيين.

وكان مؤسس مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، حذر من تعرض روسيا لـ "ثورة" إذا ما استمرت الجهود الحربية المتعثرة في أوكرانيا.

وقال بريغوجين في مقابلة مع، المدون المؤيد للكرملين، كونستانتين دولغوف، أوردتها شبكة "سي إن إن" الإخبارية، إن القوات الروسية غير مستعدة لمقاومة نظيرتها الموالية لأوكرانيا حتى عندما تدخل الأراضي الروسية.

وامتدح بريغوجين القوات الأوكرانية قائلا: "أعتقد أن الأوكرانيين اليوم هم أحد أقوى الجيوش في العالم".

وقال إنها قوات "منظمة للغاية ومدربة تدريبا عاليا وتتمتع بذكاء على مستوى عال، ويمكنها تشغيل أي منظومة عسكرية سواء سوفيتية أو تابعة للناتو بنفس النجاح".

روسيا "ليست مستعدة"

وبريغوجين الذي تصاعد نفوذه بشكل كبير خلال الهجوم المستمر منذ أكثر من عام، انتقد كبار المسؤولين العسكريين الروس وحملهم مسؤولية الخسائر الفادحة خلال الأسابيع الماضية ولا سيما، وزير الدفاع، سيرغي شويعو، ورئيس الأركان العامة للجيش، وفاليري غيراسيموف.

وجندت مجموعة "فاغنر" التي تأسست في العام 2014، آلاف المعتقلين من أجل القتال في أوكرانيا مقابل تخفيف أحكامهم بالسجن. وبعدما كان بريغوجين متخفيًا لفترة طويلة، أثبت نفسه كلاعب رئيسي في النزاع في أوكرانيا.

والثلاثاء، أقر زعيم المرتزقة الروس، بأن نحو 10 آلاف من بين 50 ألف سجين جندتهم "فاغنر" من السجون الروسية، قُتلوا في أوكرانيا على خط المواجهة في معركة باخموت الدامية.

وخلال الأيام الأخيرة، عانت موسكو من دخول مجموعة من الروس المناهضين لبوتين منطقة بيلغورود في توغل أثار الغضب والارتباك حتى بين المحللين العسكريين البارزين في روسيا.

وردا على سؤال حول الحادث، قال بريغوجين إن قوات الدفاع الروسية "ليست مستعدة على الإطلاق لمقاومتها بأي شكل أو شكل".

وعكفت القوات الروسية المكونة أساسا من مقاتلي مرتزقة "فاغنر" على السيطرة على مدينة باخموت ذات الأهمية الاستراتيجية الضئيلة في شرق أوكرانيا، حيث تكبدت موسكو خسائر فادحة، بحسب "سي إن إن".

بالنظر إلى هذا الصراع، فإن الاستنتاج الرئيسي الذي توصلت إليه النخب الروسية هو أن بوتين غير قادر على تنظيم هذه العلاقات بين المسؤولين، حسبما يقول، عباس غالياموف، كاتب خطابات بوتين السابق والمحلل السياسي الذي أصبح منتقدا صريحا للنظام الروسي.

في حديثه لـ "وول ستريت جورنال"، أضاف غالياموف أن "هذا يعني أن بوتين أصبح ضعيفا لدرجة أن القوة الرأسية تتراجع"، مشيرا إلى أنه "في أوقات الحرب، يعد الحفاظ على جبهة موحدة المهمة الأساسية للدولة. وبوتين غير قادر على تحقيق ذلك".

ويقول مسؤولون غربيون إنه من الصعب قياس مدى قدرة هذا الخلاف على زعزعة استقرار روسيا.

وقال أحد كبار المسؤولين الأميركيين للصحيفة ذاتها دون الكشف عن هويته، إن "النظام (الروسي) قوي، لكنه قابل للكسر"، مضيفا: "لا يمكن معرفة متى سينكسر".

"ممارسات تتعارض مع القوانين الروسية"

وبينما امتنع شويغو غيراسيموف المدركان لعلاقة بريغوجين الشخصية مع بوتين، عن الرد علنا، تكفل بعض الجنرالات المتقاعدين في البرلمان الروسي بالرد.

وقال الجنرال المتقاعد، فيكتور سوبوليف، إن فاغنر "تشكيل عسكري غير شرعي"، مضيفا: "ليس من الواضح مكان تسجيله وماذا يفعل".

وأشار إلى أن العديد من ممارسات مجموعة المرتزقة "تتعارض" مع القوانين الروسية.

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الذي استجوبه الصحفيون بشأن الصراع بين "فاغنر" ووزارة الدفاع، خلال وقت سابق من هذا الشهر، إنه استمع إلى تصريحات بريغوجين لكنه "لا يمكنه التعليق؛ لأن ذلك يتعلق بمسار العملية العسكرية الخاصة"، مستخدما الاسم الذي تطلقه روسيا على غزو أوكرانيا.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، بما في ذلك صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن بريغوجين جمع ثروته الشخصية من خلال تأمين عقود التموين للكرملين، ولذلك أطلق عليه لقب "طباخ بوتين".

ولطالما انتقد بريغوجين البيروقراطية العسكرية الروسية واتهم القيادة العليا بحرمان مجموعته من الذخيرة التي يحتاجونها للسيطرة على مدينة باخموت.

وفي 10 مايو، هدد "طباخ بوتين" بسحب قوات المرتزقة من المدينة قبل أن يتراجع عن تهديداته بعد يومين قائلا إنه تلقى وعودا مرضية بتقديم المزيد من الأسلحة.

والأربعاء، قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية، إن "قتالا عنيفا" ما زال مستمرا داخل باخموت، بعد أيام من إعلان روسيا أنها استولت على المدينة المدمرة بالكامل.

وتقع باخموت في إقليم دونيتسك أحد أربعة أقاليم أعلنت روسيا ضمها بشكل غير قانوني في الخريف الماضي ولا تسيطر عليها سوى بشكل جزئي، بحسب أسوشيتد برس.

"القمع" كشف الصراع

وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن الصراع بين زعيم مرتزقة "فاغنر" وكبار جنرالات الجيش، كان ملحوظا بشكل خاص على اعتبار "القمع شبه الكامل" لانتقاد الحرب في روسيا.

وكانت أجهزة الأمن الروسية فعالة للغاية في اجتثاث المعارضة الليبرالية، ودفعت عشرات الآلاف من معارضي الحرب إلى المنفى وإسكات معظم الآخرين بعقوبات شديدة القسوة.

وبموجب القوانين التي صدرت في أوائل العام الماضي، فإن "تشويه سمعة" القوات المسلحة الروسية حتى باستخدام فيسبوك، يؤدي إلى عقوبات سجن طويلة.

لكن بريغوجين لم يتقيد لهذه القواعد واستمر في نشر مقاطع فيديو يومية يسلط فيها الضوء على نقاط الضعف في الاستراتيجية العسكرية الروسية وسوء الإدارة.

ويقول مراقبو روسيا والمسؤولون الغربيون إن مثل هذه الحملات غير المحظورة، والتي تخلق قصة عن وقوف بريغوجين في وجه "الخونة الأقوياء الذين يسرقون انتصار روسيا"، ستكون مستحيلة بدون موافقة بوتين.

وقال ميخائيل كاسيانوف، الذي شغل منصب رئيس وزراء روسيا خلال ولاية بوتين الأولى ويعيش الآن في المنفى، "بريغوجين مكروه من قبل الجنرالات".

وتابع: "مصيره ووجوده الجسدي يعتمدان كليا على بوتين. بمجرد رحيل بوتين، يرحل بريجوجين أيضا".

وكان لدى الضباط العسكريين الروس الكثير من الأسباب لكراهية فاغنر ومؤسسها، بسبب اتصاله المباشر مع بوتين. وبفضل الرواتب المرتفعة مرونة العمل والثقافة الوحشية، بدأ جيش بريغوجين الخاص في تجنيد أفضل الضباط والجنود من الجيش النظامي.

القطيعة بدأت من سوريا

ولكن القطيعة بين طرفي النزاع في روسيا بدأت في 2018. ففي فبراير من ذلك العام، بدأت قوات "فاغنر" هجوما على منطقة تعرف باسم هاشم في سوريا، حيث كانت حقولها النفطية تديرها شركة "كونوكو" الأميركية بمحافظة دير الزور.

وحافظت الولايات المتحدة على موقع صغير للعمليات الخاصة هناك. وبمجرد تعرض القوات الأميركية لقصف من مرتزقة "فاغنر"، وضع البنتاغون وزير الدفاع الروسي على المحك.

وفي إفادة أمام الكونغرس، قال وزير الدفاع الأميركي آنذاك، جيم ماتيس، إن الروس نفوا علاقتهم بمجموعة فاغنر التي قصفت القوات الأميركية.

وحينها، أمر ماتيس القوات الأميركية بضرب فاغنر. وفي غضون ساعات، قُتل وأصيب المئات من المرتزقة الروس في غارات أميركية شملت مروحيات هجومية وطائرات بدون طيار وطائرة حربية من طراز "AC-130" وصواريخ "هيمارس"، فيما ظلت موسكو صامتة، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

ويشتبه في أن هذه المجموعة شبه العسكرية تنفذ منذ سنوات مهمات سرية للكرملين على مسارح عمليات مختلفة الأمر الذي نفته موسكو على الدوام.

وتتهم دول غربية عدة بريغوجين بأنه ممول مجموعة "فاغنر" التي رصد عناصر منها في سوريا وليبيا وأوكرانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

ووفقا لكتاب مذكرات صدر مؤخرا اكيريل رومانوفسكي، مراسل الحرب لوكالة الأنباء الفدرالية الروسي (ريا-فان)، والذي تابع أنشطة "فاغنر" حول العالم وتوفي بسبب السرطان في يناير الماضي، كان رجال "فاغنر" مطمئنين بأنهم سيحصلون على الحماية بالطائرات والدفاعات الجوية الروسية.

وكتب رومانوفسكي عن الهجوم قائلا: "لقد تعرضنا للخيانة ببساطة. عندما بدأنا الهجوم، لم نكن نعرف أن الطائرة الوحيدة فوقنا كانت أميركية وأن رجال الدفاع الجوي كانوا جميعا يختبئون تحت تنانير الفتيات".

المصدر: الحرة